لم يشعر حكام أميركا وأوروبا بالعجز عن فرض مشيئتهم الاستعمارية كما يشعرون هذه الأيام في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.. أخفق الرئيس الأميركي وفريقه الصقوري في تحقيق ما هدف إليه من وراء إطلاق حربه الاقتصادية ضدّ إيران والتلويح باستخدام القوة ضدّها عبر حشد حاملات الطائرات والبوارج الحربية في الخليج لإجبار القيادة الإيرانية على العودة الى التفاوض مع واشنطن وفق الشروط الأميركية.. وفي المقابل فشلت أوروبا في إبقاء إيران تطبّق وحدها الاتفاق النووي من دون ان تنفذ أوروبا التزاماتها في الاتفاق.. على انّ هذا العجز والفشل الأميركي الأوروبي ما كان ليحصل الا نتيجة صمود إيران ونجاحها في ردع العدوانية الأميركية البريطانية من جهة.. ووضع حدّ للمناورات الأوروبية من جهة ثانية.. وتجلى ذلك في:
– الردّ على العدوانية الأميركية بإسقاط طائرة التجسّس الأميركية المتطورة لدى اختراقها الأجواء الإيرانية.. وبالتالي أوصلت رسالة قوة بالنار بأنّ إيران لا تهاب المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة وأنها جاهزة للحرب اذا فرضت عليها ولن تسمح بأيّ تعدّي او انتهاك لسيادتها..
– التصدي لمحاولة إ
حكام الحصار النفطي على إيران بالردّ على احتجاز الناقلة الإيرانية، في مضيق جبل طارق من قبل بريطانيا بناء على طلب أميركي.. باحتجاز ناقلة بريطانية في مضيق هرمز عندما انتهكت قواعد الملاحة في المضيق وأجبرت لندن على الإفراج عن الناقلة الإيرانية وبالتالي احترام سيادة إيران وحقوقها وعدم السماح لبريطانيا التعدي على حرية ناقلات النفط الإيرانية في المياه الدولية التي يكفلها القانون الدولي…
– وضع حدّ للمماطلة الأوروبية في تنفيذ التزامات أوروبا في الاتفاق النووي الإيراني.. وجعل إيران تطبق وحيدة تعهّداتها في الاتفاق.. وتمّ ذلك من خلال ردّ إيران بتنفيذ خطوات تدريجية قضت بتقليص التزاماتها في الاتفاق عبر رفع نسبة تخصيب اليورانيوم وزيادة مخزونها منه على نحو يتجاوز ما نص عليه الاتفاق.. وهي قد قرّرت تنفيذ الخطوة الثانية من هذه الخطوات في 6 أيلول المقبل..
هذا الصمود الإيراني ولجم العدوانية الأميركية والاعتداء البريطاني على الناقلة الإيرانية.. ورفض تطبيق الاتفاق النووي من جانب واحد.. أدخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والإدارات الأوروبية في مأزق.. من ناحية هم غير قادرين على الذهاب إلى الحرب ضدّ الإيرانية لأنها ستكون نتائجها كارثية على الجميع.. ومن ناحية ثانية هم لم يتمكنوا من إخضاع إيران لشروطهم ولا أحكام الحصار عليها بسبب الانقسام الدولي الناتج عن رفض دول كبرى تأييد سياسة الهيمنة الأميركية.. وفي مقدّمة هذه الدول روسيا والصين.. وما فاقم من هذا المأزق أن ترامب مقبل على خوض معركة انتخابات رئاسية ثانية يسعى فيها للفوز بولاية ثانية وهو الآن بأمسّ الحاجة إلى تحقيق مكسب يوظفه في حملته الانتخابية وكان يراهن على تحقيق ذلك من خلال النجاح في إجبار إيران على الاستسلام لشروطه التفاوضية حول الاتفاق النووي تحت سيف الحصار.. ومن ناحية ثالثة بدأت أوروبا تشعر بأنّ مصالحها في خطر نتيجة سياسة العقوبات الاقتصادية الأميركية التي تفرضها واشنطن ضدّ إيران وروسيا والصين إلخ… وأنّ استمرار التوتر مع إيران يهدّد بشكل مباشر الاقتصاد الأوروبي الذي سيكون المتضرّر الأكبر من ذلك خصوصاً أنّ أوروبا هي المستهلك الأكبر لنفط الخليج في حين أنّ أميركا لم تعد تحتاج إلى استيراد نفط الخليج بعد أصبحت أول منتج للنفط في العالم وحققت الاكتفاء الذاتي منه.. هذا إلى جانب أنّ الاستمرار في عدم تنفيذ الاتفاق النووي من قبل أوروبا سيقود إلى تحرّر إيران من كلّ التزاماتها فيه وأنّ إيران عندما تعلن ذلك فإنها تفعل وهي بدأت بذلك.. في ضوء كلّ ذلك لم يكن أمام أوروبا سوى البحث مع واشنطن عن سبيل الخروج من هذا المأزق الأوروبي الأميركي في المواجهة مع إيران.. وهو ما تجسّد في المبادرة الفرنسية لفتح نافذة في جدار الأزمة تقود إلى عقد اجتماع بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الأميركي ترامب.. تقضي بأن تقوم إدارة ترامب بخطوات تدريجية لرفع الحصار عن إيران تبدأ بإعفاء الصين والهند العقوبات الأميركية المفروضة على استيراد النفط الإيراني.. وفتح أوروبا للقناة المالية تدريجياً مقابل أن توقع إيران على وثيقة تتعهّد فيها بعدم تصنيع القنبلة النووية.. وهو ما ردّ عليه الرئيس روحاني بالاستعداد لأيّ لقاء لكن شرط ان يسبقه رفع العقوبات عن إيران وتنفيذ أوروبا التزاماتها في الاتفاق النووي.. وأنّ إيران غير مستعجلة في الدخول في ايّ حوار مع أميركا اذا لم يتمّ رفع العقوبات الأميركية كلها حتى وانْ لم تعد واشنطن رسمياً إلى الاتفاق النووي.. المهمّ بالنسبة لإيران هو تنفيذ الاتفاق.. هذه التطورات إنما تعكس مؤشرات قوية على بدء تراجع واشنطن والدول الغربية أمام صمود إيران والإنجازات التي حققتها في المواجهة مع إدارة ترامب ولندن.. واذا ما جرى تلبية شروط إيران لناحية رفع العقوبات قبل ايّ لقاء أميركي إيراني فإنّ ذلك سيشكل انتصاراً جديداً لإيران التي تكون قد نجحت في إجبار أميركا على التراجع مجدّداً أمام صمودها وصلابة موقفها في الدفاع عن سيادتها واستقلالها وحقوقها.. وبالتالي انتصار معادلات القوة الإيرانية الرادعة للعدوانية الأميركية.. وبالتالي تكريس تراجع الهيمنة الأميركية العاجزة عن فرض مشيئتها في مواجهة إيران الثورة التي بنت دولة مستقلة قوية متحررة من التبعية للاستعمار الأميركي الغربي وقادرة على الدفاع سيادتها واستقلالها.. وفي نفس الوقت تقديم الدعم والمساندة إلى قوى المقاومة للاحتلال الصهيوني وتعزيز جبهة الدول التحررية والمستقلة التي تشاركها معركة التصدي للهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية…
وما مسارعة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو للاتصال بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والقول له إنّ هذا الوقت بالضبط ليس مناسباً للمفاوضات مع إيران إلا مؤشر قوي على قلق كيان العدو من فشل المخطط الأميركي الصهيوني في إخضاع الجمهورية الاسلامية الإيرانية.